نبذة تاريخية :
يرجع تاريخ دراسة الجهاز العصبى إلى قدماء المصريين.و الدليل على ذلك من النقب، والتي هى عملية جراحية لحفر أو إحداث ثقب في الجمجمة بغرض علاج الصداع أو الاضطرابات العقلية أو لتخفيف ضغط الجمجمة تُجرى على المرضى منذ العصر الحجرى الحديث ،وقد وجِدت في ثقافات مختلفة في جميع أنحاء العالم.وأشارت مخطوطات يعود تاريخها إلى عام 1700 ق.م إلى إلمام المصريين ببعض المعرفة عن أعراض تلف الدماغ.
العلوم العصبية الحديثة :
ازدادت الدراسة العلمية للجهاز العصبى بشكل ملحوظ خلال النصف الثانى من القرن العشرين، ويُعزى ذلك أساسًا إلى تطور علم الأحياء الجزيئى و والفيزيولوجيا الكهربية و العلوم العصبية الحاسوبية مما أتاح لعلماء الأعصاب دراسةالجهاز العصبى في كل جوانبه: بنيته وعمله و تطوره ،وأعطاله وتَغيره .فعلى سبيل المثال، قد أصبح من الممكن فهم العمليات المعقدة التي تحدث خلال الخلية العصبية الواحدة، بتفاصيل أكثر .لأن الخلايا العصبية هى الخلايا المخصصة للتواصل،فهى قادرة على التواصل مع غيرها من الخلايا العصبية وأنواع الخلايا الأخرى عبر وصلات خاصة تدعى نقاط الاشتباك العصبى،حيث يمكن إرسال إشارات الكهربائية أو الكهروكيميائية من خلية إلى أخرى. وتُطلِق العديد من الخلايا العصبية زوائد مستقيمة من البروتوبلازم تُدعى المحاور العصبية والتي قد تمتد إلى أجزاء بعيدة من الجسم وتستطيع حمل الإشارات الكهربائية بسرعة مما يحدث أثرًا على باقى الخلايا العصبية ،والعضلات،أو الغدد حيث نقاط انتهائها. وينبثق الجهاز العصبى من تجميعات الخلايا العصبية التي تتصل مع بعضها البعض. في الفقاريات ينقسم الجهاز العصبى إلى جزئين الجهاز العصبى المركزى و الجهاز العصبى الطرفى في العديد من الأنواع –بما فيها- الفقاريات يكون الجهاز العصبى هو الأكثر تعقيدًا في الجسم، ويبلغ هذا التعقيد ذروته في الدماغ. ويحتوى الدماغ وحده على مائة مليارمن الخلايا العصبية ومائة تريليون من الوصلات العصبية،حيث يتكون من آلاف البنى المتمايزة والتي تتصل ببعضها البعض خلال شبكات قد بدأ للتو الكشف عن تعقيداتها.إن غالبيات الجينات الخاصة بالجينوم البشرى والتي تقدر تقريبيًا ب 20000 إلى 25000 ،يُعبَر عنها تحديدًا في الدماغ.وبسبب لدونة المخ البشرى فإن بُنى نقاط الاشتباك العصبى وما ينتج عنها من وظائف تتغير على مدى الحياة. العلوم العصبية هي الحقل الذي يدرس ويتعامل مع البنى العصبية والوظائف العصبية والتطور العصبي وعلم الجينات والكيمياء الحيوية والفيزيولوجيا وعلم الأدوية، إضافة إلى علم الأمراض العصبي.
يطلق عليها أيضا اسم البيولوجيا العصبية حيث يندرج ضمن الطب ويدرس الظواهر المخية. فقد اكتشف مثلا أن عدد الخلايا المخية لا يتغير تقريبا مع الزمن ولكن الذي يتغير هو كيفية تواصل وتلاحم هذه الخلايا. فكلما درب المرء نفسه وأجهد دماغه بالتفكير كلما زاد عدد الوصلات والتحامها وهو ما يؤدي إلى مقدرة أكبر على الاستيعاب والذكاء والعكس بالعكس.
تعتبر الدراسة البيولوجية للدماغ البشري أساس هذا الحقل المتداخل الذي يتضمن العديد من مستويات الدراسة، مرورا بالمستوى الجزيئي إلى المستوى الخلوي (العصبونات المفردة)، إلى مستوى التجمعات الصغيرة نسبيا من العصبونات مثل cortical columns، والجمل الفرعية الأكثر تعقيدا مثل ساحات الإدراك البصري، وحتى الجمل العصبية الضخمة مثل القشرة المخية cerebral cortex والمخيخ cerebral cortex بوصفها أعلى مستويات التعقيد ضمن الجهاز العصبي.
وفي المستويات العالية من التعقيد، تصبح طرق البحث العصبية مندمجة مع علوم الإدراك cognitive science لتشكل ما يمكن تسميته علوم عصبية إدراكية cognitive neuroscience، وهو عبارة عن تخصص كان أول من تحدث به هم علماء النفس الإدراكي cognitive psychologists، لكنه أصبح الآن تخصصا منفردا تتم من خلاله الكثير من الأبحاث والدراسات. ويعتقد الكثير من الباحثين بأن العلوم العصبية الإدراكية تشكل طريقة بحث علمية أدنى-أعلى (من المستوى الأبسط إلى الأعقد) bottom-up approach لفهم العقل والوعي، وهذا يكمل الطريقة أعلى-أدنى (من المستوى الأعقد إلى الأبسط) the top-down approach التي يتصف بها علم النفس.
وتتضمن مجالات العلوم العصبية حقول متنوعة مختلفة مثل :
- عمل النواقل العصبية عند المشابك العصبية.
- الآليات الحيوية المؤسسة لعملية التعلم learning (تعلم توضيحي declarative learning وتعلم حركي learning).
- كيف تساهم الجينات في التطور العصبي في المرحلة الجنينية وخلال الحياة.
- عمل البنى العصبية الأبسط نسبيا للكائنات الأدنى مثل الكائنات البحرية.
- بنية ووظيفة الدارات العصبية المعقدة في الإدراك والذاكرة والكلام.