الاستنساخ و الإنسان :
لعل ما افزع الناس و ارهبهم بعد
استنساخ دوللي هو الخوف من إن تنجح تجارب الاستنساخ يوماً على الإنسان ذلك
المخلوق العاقل النبيل ... و إن يؤدي ذلك يوماً إلى تغيرات جذرية في طريقة تكاثر
البشر تغيرات يخشى كثير من المتشائمين أن يؤدي يوماً إلى إلغاء دور الأنثى كلية . ((
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما
رجالاً كثيراً و نساء )) .[ النساء 1 ] . و ابتكار مجتمع يتمتع بفردانية
الرجل و انفصاله كلياً عن توأم روحه و حياته آلا و هي المرأة .خصوصاً إذا تحققت بعض
أحلام العلماء باكتشاف أرحام صناعية تزرع فيها الأجنة : وما هي إلا مدة حتى يخرج
جنين يطابق أباه في كل الصفات الو راثية و المناعية و بالتالي خشي الكثير من الناس
( و حتى العلماء منهم , أن يحدث الاستنساخ نكسة و عودة إلى الوراء في تاريخ
البشرية البيولوجي :و أن يعود الفرع إلى الأصل و تعود البشرية إلى مرحلة النفس
الواحدة التي ذكرها الخالق البارئ في كتابه الكريم ) . (( و هو الذي
خلقكم من نفس واحدة فمستقر و مستودع )) . (( إلا هو العزيز الغفار خلقكم من
نفس واحدة ثم جعل منها زوجها )) . [ سورة الزمر 6 ] . و أصبح هناك تياران من
الناس , تيار يؤيد و بدون تحفظ الاستنساخ على الإنسان ... و يظن أولئك أن في ذلك
خير للبشرية و سعادتها ( سأعرض المحاسن و
مساوئ الاستنساخ لاحقاً ) و تيار أكبر من السابق يعارض و بشدة كل محاولات
الاستنساخ على البشر, و أثيرت مسائل لم تثر من قبل و حدث جدل ديني و علمي و
اجتماعي لم يسبق له مثيل . و لكن قبل أن أبحث في هذه الأمور هناك سؤال يتردد في كل
مكان .
هل سينجح الاستنساخ يوماً على البشر ؟
و الجواب هو انه لا احد ( حتى
العلماء الذين يجرون التجارب أنفسهم على الحيوان ) يعلم على وجه الدقة و
يستطيع أن يؤكد بأن الاستنساخ سينجح يوماً عند البشر . كما أنه لا يستطيع أحد أن
يجزم باستحالة ذلك .و الرأي السائد هو أنه طالما تم استنساخ حيوان ثدي هو (الغنم)
فالمجال مفتوح لاستنساخ الثديي الأعظم ألا وهو الإنسان , و كان الحماس يدفع
العلماء إلى التفاؤل بقرب استنساخ الإنسان .
شروط نجاح الاستنساخ على البشر :
و لكن مع التدقيق في التجارب , و
الدراسة المعمقة للاستنساخ و شورطه . خبا بريق ذلك الحماس خصوصاً بعدما تبين أنه
يجب أن تكون صبغيات النواة المزروعة ( الجسدية ) في وضع يماثل وضع صبغيات النطفة و
البويضة في الإلقاح الجنسي الطبيعي . أي أنه يجب أن يكون هناك توافق تام بين نشاط
السيتوبلاسما البيضية . و نشاط النواة الجسدية المزروعة . و إلا فلن توافق
السيتوبلاسما على الاستنساخ أساساً و لن يكون هناك أي انقسام . و كلما تأخرت
النواة الجسدية المزروعة بالتعبير عن نفسها .
كلما كان نجاح الاستنساخ أكبر :
و قد تأكد للعلماء مؤخراً بأن
النواة المزروعة كلما تأخرت في التعبير عن نفسها كان احتمال النجاح أكبر
فإذا بكرت النواة بإرسال الرسول M-RNA إلى سيتوبلاسما البويضة فإن احتمال التوافق اضعف لأن
السيتوبلاسما البيضية تكون غير مستعدة للمفاجأة . لذلك ترفض تصنيع
البروتينات و الخمائر اللازمة لعملية الانقسام . أما إذا تأخرت النواة
الجسدية المزروعة بإرسال رسولها فإن سيتوبلاسما البويضة تكون قد أخذت كافة
استعداداتها لطبع بروتينات الجنين الجديد هذا و تبدأ نواة الأغنام بإرسال
أوامرها الوراثية بعد الانقسام الثالث للبويضة أي عندما يصبح عدد خلايا هاتين
(8-16 ) خلية لأن كل انقسام يحتاج غالباً إلى مدة 24 ساعة سواء في الإنسان أو
الحيوان . و عليه تكون المدة بين زرع النواة الجسدية و التعبير عن نفسها وراثياً
حوالي (48-60 ) ساعة و هي مدة كافية لحدوث التوافق بين النواة و
السيتوبلاسما و الانطلاق في تشكيل جنين جديد .
أما في الإنسان :
فتبدأ النواة المزروعة بالتعبير عن
نفسها وراثياً بعد الانقسام الثاني (مرحلة الأربع خلايا ) أي بعد 24 ساعة -36 ساعة
و هي مدة وجيزة جداً لن تتسنى خلاياها للسيتوبلاسما الموافقة على طبع البروتينات
اللازمة لاستمرار تشكل الجنين لذلك و بناءً على هذه المعلومات الحيوية فإن نجاح
الاستنساخ على الإنسان يبقى في مهب الريح ... و يبقى نجاحه في مجال الأحلام ؛إلى
أن تكشف الخلية الإنسانية عن أسرارها و أسرار مورثاتها المليون ... لتستطيع
أن تتوافق مع سيتوبلاسما البويضة في المستقبل و الله وحده اعلم . و إن كان
أغلب علماء البيولوجيا يرجون عدم نجاح الاستنساخ على الإنسان إطلاقاً . و أضن أنه
لا داعي لهذا الرعب ... و الهلع و حساب ألف حساب لأمر ما زال يعتبر في عالم الغيب
حتى اليوم و عندما ينجح الاستنساخ على الإنسان . عندها يكون لكل مقام ...
مقال ...
ملحوظة :
كثيراً ما يخاف الناس و خصوصاً
أصحاب الديانات السماوية من الاكتشافات العلمية دون مبرر , وكثيراً ما
يعتبرون ذلك تدخلاً سافراً في شؤون الخالق و هذا مخالف نصاً و روحاً للشريعة
الإسلامية . فالقرآن الكريم جعل كل سر وضعه الخالق في مخلوقاته هدية سائغة لمكتشفه
. فالله عز وجل يطلب منا و بصريح العبارة البحث و التفتيش و التنقيب عن تلك
الأسرار لأن دعماً عميقاً للإيمان بالله و قدرته من جهة و خدمة جلى
لمخلوقاته من جهة أخرى و كدليل على ذلك قوله : ((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف
بدء الخلق )) .أي فتشوا عن تنوع المخلوقات و تلاؤمها و طريقة حياتها و
معاشها و قوله : (( يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تفروا من أقطار السموات
و الأرض فانفذوا لا تنقذوا إلا بسلطان )) .
من المشاكل التي أثارها الاستنساخ
على الحيوانات الدنيا ... تساؤل كثير من البسطاء ... هل الحيوانات المستنسخة لها
نفس أرواح النسخة الأصلية ... هل روح الحيوان الجديد جزء من روح الحيوان القديم ؟؟
و إذا كان ذلك فكيف ستقسم : روح حيوان واحد إذا استنسخ منه مليون نسخة [ هذا جائز
, إذ كل خلية إذا نجح الاستنساخ قادرة على تشكيل حيوان جديد ] ؟
وهل الأرواح المتشكلة تشبه
الأرواح الناتجة بعملية الالقاح الجنسي .
و غيرها من أسئلة عويصة شائكة ... و
الواقع أنه لا جواب على هذه الأسئلة فلا أحد ( إلا الله وحده ) يعرف شيئاً عن
الروح فهو أمر رباني مطلق و الله لا يطلع على غيبه أحد – ومن ذا الذي يعرف أين تقع
الروح في الجسد ... و لكالما في النطفة حياة و في البويضة حياة و في
الجنين حياة ... أليس في هذه الأشياء روح ... ما العلاقة بين الروح و
الحياة هل روح الحيوان هي مجموع أرواح خلاياه ؟ و هل الحياة هي انعكاس لصورة الروح
في الجسد الله أعلم ... و لا يسعنا سوى التسليم بقول الله تعالى : (( و
يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي , وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) . [الإسراء
85 ] (( و إن الظن لا يغني من الحق شيئاً )) . [يونس 36 ]